مصر في عيون الوافدين |
بفضل الله تعالى في فبراير تمت لي الموافقة للدراسة في جامعة الأزهر الشريف،ولا أدري !كم كنت مسروراًوماذا أثارت هذه الموافقة في نفسي من مشاعر، وفي ذهني من خواطر!؛ كانت مصر في خيالنا يومئذ دنيا مسحورة، فيها العجائب وكل ما مرغوب لدى الناس، كنت أسمع عنها كثيرا عبرالمجلات والصحف، الرجال الذين نقرأ لهم، والشعراء الذين نحفظ شعرهم منها،كلما كنت أسمع وأدرس عنها يزداد الحب لها ،ولما قرأت إبن الكندي،والشاعر صلاح الدين الصفدي، حبسني الحب لها ومزقني كل ممزق،
قال ابن الكندي المصري : "فضل الله مصر على سائر البلدان، كما فضل بعض الناس على بعض، والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضل على ضربين: في دين أو دنيا، أو فيهما جميعاً، وقد فضل الله مصر وشهد لها في كتابه؛ بالكرم وعِظم المنـزلة، وذكرها باسمها، وخصها دون غيرها، وكرر ذكرها، وأبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، تنبئ عن مصر وأحوالها، وأحوال الأنبياء بها، والأمم الخالية، والملوك الماضية، والآيات البينات، يشهد لها بذلك القرآن، وكفى به شهيداً، ومع ذلك رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مصر وفي عَجَمها خاصة -أي القبط- وذكره لقرابته ورحمهم، ومباركته عليهم وعلى بلدهم، وحثه على برهم ما لم يُرو عنه في قوم من العجم غِيرهم ... مع ما خصها الله به من الخصب والفضل، وما أنزل فيها من البركات، وأخرج منها من الأنبياء والعلماء والحكماء والخواص والملوك والعجائب بما لم يخصص الله به بلداً غيرها، ولا أرضاً سواها . فإن ثَرّب علينا مُثّرِّب بذكر الحرمين، أو شَنّع مُشنع، فللحرمين فضلهما الذي لا يُدفع، وما خصهما الله به مما لا ينكر، من موضع بيته الحرام، وقبر نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس ما فضلهما الله به بباخسٍ فضلَ مصر، ولا بناقص منزلتها، وإن منافعها في الحرمين لبينة، لأنها تُميرهما بطعامها وخصبها وكسوتها وسائر مرافقها، فلها بذلك فضل كبير، ومع ذلك فإنها تطعم أهل الدنيا ممن يرد إليها من الحاج طول مقامهم يأكلون ويتزودون من طعامها من أقصى جنوب الأرض وشمالها ممن كان من المسلمين في بلاد الهند والأندلس وما بينهما، لا ينكر هذا منكر، ولا يدفعه دافع، وكفى بذلك فضلاً وبركة في دين ودنيا.
قال صلاح الدين الصفدي :
من شاهد الأرض وأقطارها والناس أنواعاً وأجناسا
ولا رأى مصر ولا أهلها فما رأى الدنيا ولا الناسا
وقد مرّ ابن بطوطة -رحمه الله تعالى- بمصر في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، وركب النيل من دمنهور متجهاً إلى القاهرة فقال يصف عِظَم ما رأى :"ومن هذه المدينة ركبت النيل مصعداً إلى مصر، ما بين مدائن وقرى منتظمة، المتصل بعضها ببعض، ولا يفتقر راكب النيل إلى استصحاب الزاد، لأنه مهما أراد النـزول بالشاطئ، نزل للوضوء والصلاة وشراء الزاد وغير ذلك، والأسواق متصلة من مدينة الإسكندرية إلى مصر، ومن مصر إلى مدينة أسوان من الصعيد . ثم وصلت إلى مدينة مصر: هي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة والبلاد الأريضة، المتناهية في كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة، ومجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها، شبابها يَجِدّ على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح عن منـزل السعد، قهرت قاهرتها الأمم، وتمكنت ملوكها من نواصي العرب والعجم، ولها خصوصية النيل الذي أجلّ خطرها، وأغناها عن أن يستمد القَطْرَ قُطْرُها، وأرضها مسيرة شهر لمجدّ السير، كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة، قال ابن جزيء: وفيها يقول الشاعر :
لَعمرك ما مصرٌ بمصرٍ وإنما هي الجنة الدنيا لمن يتبصَّر
فأولادها الولدان والحور عِينُها وروضتها الفردوس والنيل كوثر"
وكان تخيل ذهابي إليها أكبر من أن يمر وصفه من شق القلم، والتعبير عنها، مهما كان بليغاً، لا يبلغ حقيقتها، فلما تمت الموافقةأن أدرس في مصر، تراءى لي هذا الحلم دانياً كأني ألمسه.
ثم بفضل الله وصلنا مصر والأن اقضي حياتي هنا منذ ١٤فبراير٢٠١٩وفي خلال هذه الأيام زرت الأماكن المختلفةالقديمة المتشوقة، داخل مصرفذهبت إلي نيلها ونعيمها، وسلسبيلها، ودار ملكها، ودارة فُلْكها، وبحرها وخليجها، ورأيت،مساجدها وجوامعها، ومشاهدها ومرابعها، ونواظر بساتينها ومناظر ميادينها، وساحات سواحلها وآيات فضائلها، ورحاب شوارعها، وطيب طويتها، ومجرى فلكها ومرساها، وعجائب بناها وغرائب مبناهاولبست ملابسها،وابصرت بصري الي بصيرتها،وتدينت بدينها،رأيت الي داخلها و خارجها،وصفة حبهاللصديق وللعدو كرهها،فأعجبتني.
كل محافظة تخص بخصوصياتها،تميز بمزياتها،وتحضن بتراثها،و تجلب السياحين الي نفسها،لكن القاهره فأقول كما قال ابن ظهيرة المخزومي -رحمه الله تعالى :"وأما القاهرة بالخصوص فبلد عظيم الشأن، وكرسي الإمام وبغية الإسلام، والدليل على شرفها وعظمها اتخاذ الملوك لها داراً، وبيت المال بها قراراً، وجيوش الإسلام لها استقراراً، ورحل إليها ونشأ بها واستوطنها العلماء الأعلام، والسادة من أولياء الله الكرام، وأهل الفضائل والصناعات البديعة، والتجار، وسائر أصناف الخلق على اختلاف أجناسهم وأنواعهم قاطنون بها لا يبرحونها، وأما المترددون للتجارة وغيرها فأكثر من أن يحصروا في عصر وزمان، وهي الآن أحق بقول أبي إسحاق الزجاج في بغداد: هي حاضرة الدنيا وما سواها بادية".
وسألت عن حضارتها،فأخبرتني أنها مهدا للحضارة الفرعونية،وحاضنةللحضارة الإغريقيةوالرومانيةومنارة للحضارةالقبطيةوحاميةللحضارة الإسلامية،
وكررت نظري الي الطباع وخصائص اهلها،فإنهم يميلون إلى الفرح والسرورويثقون بالآخرين بسرعة، ويثقون بأنفسهم،يحبون سماع الإطراءات والمديح بلآخرين ،طيبوالقلوب ، كياسة الأخلاق،نفاسة العلاة،حياتهم غير منظمة،يشعرون الأمان دائماويتدينون بدينهم ،يعمل بأشد اجتهاد من كان منهم محتاجا،ويقاسون المصائب رزقا وسكنا والامرا ء يتنعمون برزقهم ويسترخون مفاصلهم،لا أدري وهم قانعون أم من المتكاسلين، وسمعت لسان أهلها،أعطاهم الله صوتا جوهرياً الذي يستخدمونه في مجالات شتي، فهم أحسن الكلام مالم يتكلموا بالعامية،حين يتكلمون بالعامية فتحسبهم متشاجرين وهم إخوة وإن ذقت طعامها، و شرابها،فتقول أن المصرين أحسن إستضافة ،
وإن تسأل عن دينها فأقول مذهبها إسلام حوالي ٩٥٪نسما يعتنقون الاسلام،والمسيحية واليهوديةعلي خمسة مئوية،لكنهمالا يشعران أنهما في قلة لأن المسلمين يهتمونهماكاهتمام الإخوة الإنسانيةويرتبط بعضهم ببعض ،والمسلمون ينقسمون إلي قسمين ،علماءهم راسخون في علمهم و مخلصون في دينهم،محبون لوطنهم،مفكرون لمجتمعاتهم، صالحون لإخوتهم،وينهلون من الأزهر الشريف دائما لولا الأزهر لهلك مصر مذهبا،علماو لغة، والعوام كعامية الهند،
وإن تسأل عن الموارد المتاحة،فأقول:إنها غنية بالموارد القطاع الزراعية ،المائيةوالمعدنية،لكن الصادرات أقل من إيراداتها،الأن سكانها يعانون مشكلة متاح العمل،سكانها تزداد يوما بعد يوم والموارد المتاحة تنخفض مع أن الإقتصادين يحاولون في إتجاهها،ويقيمون بالمشروعات الجديدة،لكن حالتها تحتاج وقتا اكثر
وأخيرا أقول إن مصر أحلي بلد في العالم حسب المواقع الفلكية والجغرافية وأم الدنيا بحسب التاريخ و الحضارة ،وأهلهاأقوي الناس بحسب الصحة والعافية،وأحرس البلد بحسب الأمن والسلامة،ارحم الناس باللطف والرحمة،وأعلمهم بالعلوم الشرعية الإسلامية،وأتقنهم بالغزلان والأنسجة،احرصهم بالغناء والموسيقىية،أجملهم بالجمال الصوتية،أحسنهم بحسن الاستضافة،اقدمهم بتلبية الدعوة،أحبهم بحب أهل البيت أضعفهم بالعلم والتكنلوجية،لو كان عند أحد هولاء الصفات فلا ينظر إلي عيوبها وان كانت حتما لديه عيوب فأقول كما قال د ذيشان أحمد المصباحي الهندي قد ظهرت محاسنها علي عيوبها،جئت هنا و كل يوم اتعلم شيئا جديدا،فمصر مصريزرع فيها عقل...
تبصرے
ایک تبصرہ شائع کریں